للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه (القدير) عن التعبد باسمه (الحليم) و (الرحيم) أو يحجبه التعبد باسمه (المعطي) عن عبودية اسمه (المانع) أو عبودية اسمه الرحيم، العفو الغفور عن عبودية اسمه المنتقم الجبار مثلاً إلى أن قال: هذه طريقة الكمل من السائرين١ ا. هـ

ولعل الإمام ابن القيم يريد أن يأخذ هذه المعاني التي فصلها، من قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ، بعد أن يتوسع في مفهوم الدعاء ليشمل دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد، لأن الله تعالى يدعو عباده إلى معرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله ليعبدوه في ضوء تلك المعرفة ويثنوا عليه سبحانه، فَعلْم العبد بأن ربه معه يراه ويرى مكانه ويسمع كلامه ويعلم منه كل شيء جليله ودقيقه، وأنه هو الذي يحركه إذا شاء فيوقفه ليعبده ويدعوه، ثم هو الذي يجيب دعوته تفضلاً منه ويعطيه سؤاله. إن إدراك العبد لهذه المعاني يورثه الحياء من الله والخجل عندما تحدثه نفسه الأمارة بالسوء بنوع من المخالفة. كما يورثه في الوقت نفسه الرغبة في التوبة والإنابة والرجوع كلما أصابته (عثرة أو كبوة) في سيره إلى الله سبحانه. ولا ييأس من رحمته، هذه بعض آثار إيمانه بأن الله معه، وأنه قريب منه في كل لحظة.

وهذه الآثار جميعها تنقله إلى عبودية (المحبة) فيحب الله حق المحبة، ويُؤثر محبته على محبة كل محبوب، فيقدم طاعته على طاعة كل مطاع، ويتفانى في عبادته، ويجد فيها الراحة كلها "أرحنا بها يا بلال" ويحس بالوحشة إذا


١ ابن القيم: مدارج السالكين ١/٤١٩-٤٢٠ تحقيق حامد الفقي ومحمد محي الدين.

<<  <   >  >>