الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُمْتَنَعٍ، وَلَا يُطْلَقُ [عَلَيْهِ] أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ الْيَوْمَ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا بِالْأَمْسِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ حَدَثَ لَهُ الْكَلَامُ، وَلَوْ كان غير متكلم؛ لأنه لِآفَةٍ كَالصِّغَرِ١, وَالْخَرَسِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ يُقَالُ: حَدَثَ لَهُ الْكَلَامُ، فَالسَّاكِتُ لِغَيْرِ آفَةٍ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالْقُوَّةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ، وَفِي حَالِ تَكَلُّمِهِ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْكَاتِبُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ هُوَ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ كَاتِبًا فِي حَالِ عَدَمِ مباشرته الكتابة.
وحول الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ تَعَالَى، الْمَنْفِيُّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ، لَمْ يَرِدْ نَفْيُهُ وَلَا إِثْبَاتُهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَفِيهِ إِجْمَالٌ: فَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْيِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَحِلُّ فِي ذَاتِهِ المقدسة لشيء مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْمُحْدَثَةِ، أَوْ لَا يَحْدُثُ لَهُ وَصْفٌ مُتَجَدِّدٌ لَمْ يَكُنْ, فَهَذَا نَفْيٌ صَحِيحٌ, وَإِنْ أُرِيدَ [بِهِ] نَفْيُ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ إِذَا شَاءَ، وَلَا أَنَّهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى، وَلَا يُوصَفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ النُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْإِتْيَانِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ, فَهَذَا نَفْيٌ بَاطِلٌ.
وَأَهْلُ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ يُطْلِقُونَ نَفْيَ حُلُولِ الْحَوَادِثِ، فَيُسَلِّمُ السُّنِّيُّ لِلْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ، عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ نَفَى عَنْهُ سُبْحَانَهُ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ هَذَا النَّفْيَ أَلْزَمَهُ نفي الصفات الاختيارية وصفات الفعل، وهو [غير] لَازِمٌ لَهُ, وَإِنَّمَا أُتِيَ السُّنِّيُّ مِنْ تَسْلِيمِ هَذَا النَّفْيِ الْمُجْمَلِ، وَإِلَّا فَلَوِ اسْتَفْسَرَ وَاسْتَفْصَلَ لَمْ يَنْقَطِعْ مَعَهُ.
وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الصِّفَةِ: هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ أَمْ لَا؟ لَفْظُهَا مُجْمَلٌ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْغَيْرِ، فِيهِ إِجْمَالٌ، فَقَدْ يُرَادُ [بِهِ] مَا لَيْسَ هُوَ إِيَّاهُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا جَازَ مُفَارَقَتُهُ لَهُ.
وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُطْلِقُونَ عَلَى صِفَاتِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلَا أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِثْبَاتِ قَدْ يُشْعِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَايِنٌ لَهُ، وَإِطْلَاقَ النَّفْيِ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ هُوَ هُوَ، إِذَا كَانَ لَفْظُ الْغَيْرِ فِيهِ إِجْمَالٌ، فَلَا يُطْلَقُ إِلَّا مَعَ الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ هُنَاكَ ذَاتًا مُجَرَّدَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا مُنْفَصِلَةً عَنِ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا, فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الصِّفَاتِ زَائِدَةٌ عَلَى الذات التي
١ في المطبوعة كالصغير.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute