للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَاهَا غَيْرُ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَى الصِّفَةَ, فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الصِّفَاتِ، بَلِ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ لَهَا لَا تَنْفَصِلُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَفْرِضُ الذِّهْنُ١ ذَاتًا وَصِفَةً، كُلًّا وَحْدَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مُحَالٌ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صِفَةَ الْوُجُودِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْمَوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ الذِّهْنُ يَفْرِضُ ذَاتًا وَوُجُودًا، يَتَصَوَّرُ هَذَا وَحْدَهُ، وَهَذَا وَحْدَهُ، لَكِنْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ فِي الْخَارِجِ.

وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: الصِّفَةُ لَا عَيْنُ الْمَوْصُوفِ وَلَا غَيْرُهُ, هَذَا لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ: أَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ عَيْنَ ذَاتِ الْمَوْصُوفِ الَّتِي يَفْرِضُهَا الذِّهْنُ مُجَرَّدَةً بَلْ هِيَ غَيْرُهَا، وَلَيْسَتْ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ، بَلِ الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ غَيْرُ متعدد, فَإِذَا قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ فَقَدْ عُذْتُ بِالذَّاتِ المقدسة الموصوفة بصفات الكمال المقدسة الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الِانْفِصَالَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.

وَإِذَا قُلْتُ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ، فَقَدْ عُذْتُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ أَعُذْ بِغَيْرِ اللَّهِ, وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الذَّاتِ، فَإِنَّ ذَاتَ فِي أَصْلِ مَعْنَاهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافَةً، أَيْ: ذَاتُ وُجُودٍ، ذَاتُ قُدْرَةٍ، ذَاتُ عِزٍّ، ذَاتُ عِلْمٍ، ذَاتُ كَرَمٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ, فَذَاتُ كَذَا بِمَعْنَى صَاحِبَةِ كَذَا: تَأْنِيثُ ذُو, هَذَا أَصْلُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الذَّاتَ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِصَالُ الصِّفَاتِ عَنْهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ الذِّهْنُ قَدْ يَفْرِضُ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عن الصفات، كما يفرض المحال, و [قد] قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ" ٢. وقال صلى الله عليه وسلم: "أعوذ


١ في المطبوعة وإنما يعرض للذهن ذات وهو خطأ.
٢ صحيح، أخرجه مسلم رقم "٢٢٠٢", ونصه بتمامه: عن عثمان ابن أبي العاص الثقفي أنه شكا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعا في جسده منذ أسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا, وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" , ورواه مالك في "الموطأ" "٢/ ٩٤٢/ ٩", وعنه أبو داود رقم "٣٨٩١" والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. بلفظ: "أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أجد" , دون لفظة: "وأحاذر", وكذلك رواه أحمد "٤/ ٢١٧ و٦/ ٣٩٠", والحاكم "١/ ٣٤٣", وزاد "في كل مسحة", وقال: "صحيح الإسناد", وهو كما قال.

<<  <   >  >>