للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، هَذَا يَنْزِعُ بِآيَةٍ وَهَذَا يَنْزِعُ بِآيَةٍ، فَكَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: "أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَمْ بِهَذَا وُكِّلْتُمْ؟ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ انْظُرُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَاتَّبِعُوهُ، وَمَا نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" ١. وَفِي رِوَايَةٍ: "يَا قَوْمُ بِهَذَا ضَلَّتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَضَرْبِهِمِ الْكِتَابَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِتَضْرِبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا تَشَابَهَ فَآمِنُوا بِهِ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَإِنَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى اخْتَلَفُوا، وَإِنَّ الْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ" ٢. وَهُوَ حَدِيثٌ مشهور، مخرج في "المسانيد وَالسُّنَنِ". وَقَدْ رَوَى أَصْلَ الْحَدِيثِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هجَّرْتُ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ" ٣.

وَجَمِيعُ أَهْلِ الْبِدَعِ مُخْتَلِفُونَ فِي تَأْوِيلِهِ، مُؤْمِنُونَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ، يُقِرُّونَ بِمَا يُوَافِقُ رَأْيَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ، وَمَا يخالفه: إما أن يتأوله تَأْوِيلًا يُحَرِّفُونَ فِيهِ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: هَذَا مُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ معناه، فيجحدوا ما أنزله مِنْ مَعَانِيهِ! وَهُوَ فِي مَعْنَى الْكُفْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّفْظِ بِلَا مَعْنًى هُوَ مِنْ جِنْسِ إِيمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الْجُمُعَةِ: ٥]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [الْبَقَرَةِ: ٧٨]، أَيْ: إِلَّا تِلَاوَةً مِنْ غَيْرِ فَهْمِ مَعْنَاهُ. وَلَيْسَ هَذَا كَالْمُؤْمِنِ الَّذِي فَهِمَ مَا فَهِمَ مِنَ الْقُرْآنِ فَعَمِلَ بِهِ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ بعضه فوكل علمه إل


١ صحيح وقد مضى ص٢٠١.
٢ صحيح.
٣ صحيح لإخراج مسلم إياه.

<<  <   >  >>