للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهِ، كَمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ" ١، فَامْتَثَلَ ما أمر به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَوْلُهُ: "وَدِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: ٣]. وَهُوَ بَيْنَ [الْغُلُوِّ وَ] التَّقْصِيرِ، وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَبَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْإِيَاسِ".

ش: ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ" , وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آلِ عِمْرَانَ: ٨٥] , عَامٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَلَكِنَّ الشَّرَائِعَ تَتَنَوَّعُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [الْمَائِدَةِ: ٤٨] , فَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عَنِ الرُّسُلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ غَايَةَ الظُّهُورِ، يُمْكِنُ كُلُّ مُمَيِّزٍ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَفَصِيحٍ وَأَعْجَمَ، وَذَكِيٍّ وَبَلِيدٍ, أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِأَقْصَرِ زَمَانٍ، وَإِنَّهُ يَقَعُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ إِنْكَارِ كَلِمَةٍ، أَوْ تَكْذِيبٍ، أَوْ مُعَارَضَةٍ، أَوْ كَذِبٍ عَلَى اللَّهِ، أَوِ ارْتِيَابٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ رَدٍّ لِمَا أَنْزَلَ، أَوْ شَكٍّ فِيمَا نَفَى اللَّهُ عَنْهُ الشَّكَّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ, فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى ظُهُورِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَسُهُولَةِ تَعَلُّمِهِ، وَأَنَّهُ يَتَعَلَّمُهُ الْوَافِدُ ثُمَّ يُوَلِّي فِي وَقْتِهِ, وَاخْتِلَافُ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ مَنْ يَتَعَلَّمُ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْوَطَنِ، كَضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ النَّجْدِيِّ، وَوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، عَلَّمَهُمْ مَا لم يسعهم جهله، مع علمه أن دينه سينشر فِي الْآفَاقِ، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ مَنْ يُفَقِّهُهُمْ فِي سَائِرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ قَرِيبَ الْوَطَنِ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ كُلَّ وَقْتٍ، بِحَيْثُ يَتَعَلَّمُ عَلَى التَّدْرِيجِ، أَوْ كَانَ قَدْ عَلِمَ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ, أَجَابَهُ بِحَسَبِ حَالِهِ وَحَاجَتِهِ، عَلَى مَا تَدُلُّ قَرِينَةُ حَالِ السَّائِلِ، كَقَوْلِهِ: "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ". وَأَمَّا مَنْ شَرَّعَ دِينًا لَمْ يأذن به


١ صحيح، وهو رواية عند أحمد "٢/ ١٨١" في الحديث "٤٦٢".
٢ متفق عليه بنحوه، وتجد لفظه في "صحيح الجامع الصغير" "١٤٦٥".

<<  <   >  >>