١٣٥- قال المصنف: وقد وقعت على كلام لأبي إسحاق الصابي في الفرق بين المترسل والشاعر، ثم ذكر الفصل وهو منثور، وسيأتي في حكاية اعتراضه، وقال في آخر حكايته: وقد عجبت من ذلك الرجل الموصوف بذلاقة اللسان وبلاغة البيان، كيف يصدر عنه مثل هذا القول الناكب عن الصواب، الذي هو في باب ونصى١ النظر في باب "اللهم غفرا.
قال: أما قوله إن خير المترسل ما وضح معناه، وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنت ألفاظه، وأفخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه، فإن هذه دعوى لا مستند لها، بل الأحسن في الأمرين معا هو الوضوح والبيان، فإن احتج أبو إسحاق بما قد ذكره في نصرة ذلك من قوله إن الشعر بني على حدود مقررة، وأوزان مقدرة، وفصلت أبياته، فكان كل بيت منها قائما بذاته، فليس يحتاج إلى غيره إلا ما جاء على وجه التضمين، وهو عبث، فلما كان النفس لا يمتد في البيت الواحد بالنثر من مقدار عروضه وضربه وكلاهما قليل، احتيج إلى أن يكون الفضل في المعنى، واعتمد أن يلطف ويدق، والترسل مبني على مخالفة هذه الطريق إذ كان كلاما واحدا لا يتجزأ ولا يتفصل إلا فصولا طوالا، وهو موضوع وضع ما يمر على أسماع شيء من خاصة ورعية وذوي أفهام ذكية، وأفهام غبية، فإذا كان سهلا