ساغ فيها وقرب، فجميع ما يستحب في الأول يكره في الثاني حتى إن التضمين عيب في الشعر، وفضيلة في الترسل، فإن هذا الذي ذكره أبو إسحاق ليس بجواب.
وهب أن الشعر كان كل بيت منه قائما بذاته فلم كان مع ذلك غامضا؟ وهب أن الكلام المنثور كان واحدا لا يتجزأ فلم كان مع ذلك واضحا؟ ثم سلمت إليه هذا فماذا يقول في الكلام المسجوع الذي كل فقرة منه بمنزل بيت من الشعر١.
أقول: إن من أظرف الأشياء أنك تحكي جواب أبي إسحاق، من أوله إلى آخره، ثم تعيد السؤال الأول بعينه الذي قد حكى جوابه، وذلك أن أبا إسحاق قد سأل نفس فقال: ولم صار الأحسن في الشعر الغموض وفي الرسائل الوضوح؟ وأجاب عنه بما قد ذكره، ومن يحكي ذلك الجواب لا يحسن له أن يقول في الاعتراض عليه: وهب أن الشعر كان كل بيت قائما بذاته، فلم كان مع ذلك غامضا؟ وهب أن الكلام المنثور كان واحدا لا يتجزأ فلم كان مع ذلك واضحا؟
وذلك أن الجواب قد أتى على الفرق بين الموضعين، ونحن نعيده فنقول إن البيت الشعري لما كان محجورا على الشاعر أن يزيد فيه أو ينقص منه أو يلحق به بيتا آخر فيحصل أحدهما مرتبطا بصاحبه بخلاف الرسائل،