{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم}[النساء: ٢٣] . فالاحتياط في فهم النص الشرعي يوجب أن لا يحتج به على نفي الحكم إذا انتفى القيد. وكثير من النصوص، بعد أن ذكرت الحكم المقيد، نصت على مفهوم المخالفة له، مثل قوله تعالى:{مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}[النساء: ٢٣] ، وقوله:{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ}[البقرة: ٢٢٢] ، وهذا دليل على أنه غير مفهوم قطعا من النص السابق، وإلا ما ذكره ثانيا.
ويظهر أثر هذا الخلاف في مثل قوله تعالى في توريث بنات المتوفي:{فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}[النساء: ١١] ، مع قول الرسول لأخي سعد بن الربيع:"أعط ابنتي سعد الثلثين وزوجة الثمن وما بقى فهو لك"، فعلى مذهب الجمهور يوجد تعارض بين مفهوم المخالفة للآية، وهو أن الواحدة والاثنتين لا يرثن الثلثين، وبين منطوق هذا الحديث الذي ورث البنتين الثلثين، ويرجح المنطوق. وعلى مذهب الأصوليين من الحنفية لا تعارض، لأن الحديث بين حكم واقعة مسكوت عنها في آية توريث البنات.
وفي مثل قوله تعالى في قصر الصلاة في السفر:{إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ}[النساء: ١٠١] . مع قصر الرسول الصلاة في السفر حال الآمن وعدم خوف فتنة الذين كفروا، فعلى مذهب الجمهور يوجد تعارض بين مفهوم المخالفة ومنطوق الحديث، وعلى مذهب الأصوليين من الحنفية لا تعارض.
والذي نستخلصه من المقارنة والمقابلة بين أدلة الطرفين: أن النص الشرعي حجة على مفهم المخالفة للوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد، ولكن بعد البحث وإمعان النظر والتحقق من أن القيد الوارد في النص، إنما ورد للتخصيص والاحتراز به عما عداه، ولم يرد لحكمة أخرى، ولم يعارض هذا المفهوم بمنطوق نص آخر.
وأما إذا دلت القرينة على أن القيد ليس للتخصيص ولا للاحتراز، بل ورد جريا على الغالب مثل {وربائبكم اللاتي في حجوركم}[النساء: ٢٣] أو لمجرد تفخيم الأمر