لمحكم في إصلاح الأصوليين: هو ما دل على معناه الذي لا يقبل إبطالاً ولا تبديلاً بنفسه دلاله واضحة لا يبقى معها احتمال للتأويل، فهو لا يحتمل التأويل أو إرادة معنى آخر غير ما ظهر منه، لأنه مفصل ومفسر تفسيراً لا مجال معه للتأويل، ولا يقبل النسخ في عهد الرسالة وفترة التنزيل ولا بعدها، لأن الحكم المستفاد منه، إما حكم أساسي من قواعد الدين لا يقبل التبديل: كعبادة الله وحده، والإيمان برسله وكتبه، أو من أمهات الفضائل التي لا تختلف باختلاف الأحوال: كبر الوالدين، والعدل، أو حكم فرعي جزئي، ولكن دل الشارع على تأييد تشريعه كقوله تعالى في قاذفي المحصنات:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً}[النور:٤] ، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((الجهاد ماض إلى يوم القيامة)) .
وحكمه أنه يجب قطعاً العمل به، ولا يحتمل صرفه عن ظاهره ولا نسخه، وإنما قلنا لا يقبل النسخ، لأنه بعد عهد الرسول وانقطاع الوحي والتنزيل، صارت الأحكام الشرعية التي جاءت في القرآن والسنة كلها محكمة لا تقبل نسخاً، ولا إبطالاً، إذ لا توجد بعد الرسول سلطة تشريعية، تملك إبطال ما جاء به أو تبديله، وسيأتي توضيح هذا في مبحث النسخ.
وهذه الأنواع الأربعة للواضح الدلالة، متفاوتة في وضوح دلالتها على المراد منها كما قلنا، ويظهر اثر هذا التفاوت عند التعارض.
فإذا تعارض ظاهر ونص يرجح النص، لأنه أوضح دلالة من الظاهر من جهة أن معنى النص مقصود أصالة من السياق، ومعنى الظاهر غير مقصود أصالة من السياق، ولاشك في أن المقصود أصالة يتبادر إلى الفهم قبل غيره.