رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] ، فالحروف الهجائية المقطعة في أوائل بعض السور لا تدل بنفسها على المراد منها، ولم يفسر الله ما أراده منها فهو أعلم بمراده. وكذلك الآيات الموهم ظاهرها تشبيه الخالق بخلقه لا يمكن أن يفهم منها معنى ألفاظها اللغوية، لأن الله سبحانه منزه عن اليد والعين والمكان وكل ما يشبه خلقه، فليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ولم يبين الشارع ما أراد منها فهو أعلم بمراده. هذا هو رأي السلف في معنى المتشابه، فهم يفوضون إلى الله علمه ويؤمنون به ولا يبحثون تأويله. وأما رأي الخلف في أن هذه الآيات ظاهرها مستحيل، لأن الله لا يد له ولا عين ولا مكان، ويراد به معنى يحتمله اللفظ ولو بطريق المجاز، وليس فيه تشبيه الخالق بخلقه. فقوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] ، تأويله: قدرة الله فوق قدرتهم، وقوله:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}[هود:٣٧] ، واصنع الفلك برعايتنا وإحاطتنا، وقوله:{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ}[المجادلة:٧] ، وتأويله: أنه سبحانه مع كل من يتناجون بعلمه وإحاطته وهكذا.
ومنشأ هذا الخلاف اختلافهم في قوله تعالى في شأن المتشابهات:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}[آل عمران:٧] ، فمن جعل الوقف على لفظ الجلالة قال لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله، فنؤمن به ونفوض علمه له ولا نبحث في تأويله، ومن جعل الوقف على:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران:٧] ، قال:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ، فهم يعلمون تأويله بإرادة معنى يحتمله اللفظ، ويتفق وتنزيه الخالق عن مشابهة خلقه.
والذي يظهر لي أنه الحق: هو تفسير المتشابهات في القرآن بالمتشابهات أي المحتملات التي يكون احتمالها مجالاً للاختلاف في تأويلها، وهي تقابل المحكمات التي أحكمت عباراتها وحفظت من الاشتباه واحتمال التأويل. فعلى هذا ليس في القرآن ما لا سبيل إلى علم المراد منه، وإنما فيه ألفاظ تدل على المراد منها بنفسها من غير اشتباه ولا احتمال للتأويل والاختلاف، وفيه ألفاظ تدل على