أنه إذا ورد نص شرعي دل دلالة قطعية على معناه الخاص الذي وضع له حقيقة، وثبت الحكم لمدلوله على سبيل القطع لا الظن.
فالحكم المستفاد من قوله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة:٨٩] ، هو وجوب إطعام عشرة مساكين، ولا تحتمل العشرة نقصاً ولا زيادة. والحكم المستفاد من حديث:((في كل أربعين شاة شاة)) هو تقدير النصاب الذي تجب الزكاة فيه من الغنم بأربعين، وتقدير الواجب بشاة بلا احتمال زيادة أو نقص في هذا أو ذاك.
ولكن إذا قام دليل يقضي تأويل هذا الخاص، أي إرادة معنى آخر منه يحتمل على ما اقتضاه الدليل. ومثال هذا ما قدمناه في تأويل علماء الحنفية الشاة في الحديث السابق بما يعم الشاة وقيمتها، وتأويلهم الصاع من تمر أو شعير في صدقة الفطر بما يعم الصاع وقيمته، وتأويلهم الصاع من تمر في حديث المصراة بما يشمله ويشمل أي عوض يماثل المتلف.
فإذا ورد الخاص مطلقاً حمل على إطلاقه، وإذا ورد مقيداً حمل على تقييده.
والفرق بين اللفظ المطلق واللفظ المقيد: أن المطلق هو ما دل على فرد غير مقيد لفظاً بأي قيد، مثل: مصري، ورجل، وطائر، والمقيّد هو ما دل على فرد مقيد لفظاً بأي قيد، مثل: مصري مسلم، ورجل رشيد، وطائر أبيض.
فالمطلق يفهم على إطلاقه إلا إذا قام دليل على تقييده، فإن قام الدليل على تقييده كان هذا الدليل صارفاً له عن إطلاقه ومبيناً المراد منه.
ففي قوله تعالى:{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:١١] ، الوصية مطلقة قيدت بالحديث، الذي دل على انه لا وصية بأكثر من الثلث، فصار المراد في الآية الوصية التي في حدود ثلث التركة.
وإذا ورد اللفظ مطلقاً في نص شرعي، وورد هو نفسه مقيداً في نص آخر، إن كان موضوع النصين واحداً بأن كان الحكم الوارد فيهما متحداً، والسبب