أخرى فقد بين المفسرون أنه ليس تعارضا إلا فيما يظهر لغير المتأمل، وعند التأمل يتبين أنه لا تعارض، ومن أمثلة هذا قوله تعالى:{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}[النساء: ٧٩] ، مع قوله سبحانه:{قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ}[النساء: ٧٨] ، وقوله تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}[الإسراء: ١٦] ، مع الآيات الدالة على أن الله لا يأمر بالسوء والفحشاء، فكل ما ظاهرة التعارض من آيات القرآن فهو بعد البحث متفق متسق لا اختلاف فيه ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
وثانيها: انطباق آياته على ما يكتشفه العلم من نظريات علمية:
القرآن أنزلها الله على رسول ليكون حجة له ودستوراً للناس، ليس من مقاصده الأصلية أن يقرر نظريات علمية في خلق السموات والأرض وخلق الإنسان وحركات الكواكب وغيرها من الكائنات، ولكنه في مقام الاستدلال على وجود الله ووحدانيته وتذكير الناس بآلائه ونعمه، ونحو هذا من الأغراض، جاء بآيات تفهم منها سنن كونية ونواميس طبيعية كشف العلم الحديث في كل عصر براهينها، ودل على أن الآيات التي لفتت إليها من عند الله لأن الناس ما كان لهم بها من علم، وما وصلوا إلى حقائقها وإنما كان استدلالهم بظواهرها، فكلما كشف البحث العلمي سنة كونية وظهر أن آية في القرآن أشارت إلى هذه السنة قام برهان جديد على أن القرآن من عند الله، وإلى هذا الوجه من وجوه الإعجاز أرشد الله سبحانه بقوله في سورة فصلت:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: ٥٣،٥٢] .
ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة النمل في مقام الاستدلال على قدرته ولفت النظر إلى آثاره:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}[النمل: ٨٨] وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}[الحجر: ٢٢] ، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء