مصرا عليه حتى تؤخذ آراء الباقين؟ ما الذي يمنع أن تعرض له شبهة فيرجع عن رأيه قبل أخذ آراء الباقين؟ والشرط لإنعقاد الإجماع أن يثبت اتفاق المجتهدين جميعا في وقت واحد على حكم واحد في واقعة.
ومما يؤيد أن الاجتماع لا يمكن انعقاده: أنه لو انعقد كان لابد مستنداً إلى دليل، لأن المجتهد الشرعي لابد أن يستند في اجتهاده إلى دليل، والدليل الذي يستند عليه المجمعون إن كان دليلا قطعيا فمن المستحيل عادة أن يخفي، لأن المسلمين لا يخفي عليهم دليل شرعي قطعي حتى يحتاجوا معه إلى الرجوع إلى المجتهدين وإجماعهم، وإن كان دليلا ظنيا فمن المستحيل عادة أن يصدر عن الدليل الظني إجماع، لأن الدليل الظني لأبد أن يكون مثاراً للاختلاف.
وقد نقل ابن حزم في كتابه "الأحكام" عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قوله:
سمعتُ أبي يقول:"وما يدعي فيه الرجل الإجماع هو الكذب، ومن ادعى الإجماع فهو كذاب، لعل الناس قد اختلفوا - ما يدريه - ولم ينته إليه، فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا".
وذهب جمهور العلماء: إلى أن الإجماع يمكن انعقاده عادة، وقالوا: إنما ذكره منكرو إمكانه لا يخرج عن أنه تشكيك في أمر واقع، وإن أظهر دليل على إمكان فعلا، وذكروا عدة أمثله لما ثبت انعقاد الإجماع عليه مثل: خلافة أبي بكر، وتحريم شحم الخنزير، وتوريث الجدات السدس، وحجب ابن الإبن من الإرث بالإبن وغير ذلك من أحكام جزئية وكلية.
والذي أراه الراجح: أن الإجماع بتعريفه وأركانه التي بيناها لا يمكن عادة انعقاده إذا وكل أمره إلى أفراد الأمم الإسلامية وشعوبها، ويمكن انعقاده إذا تولت أمره الحكومات الإسلامية على اختلافها، فكل حكومة تستطيع أن تعين الشروط التي بتوافرها يبلغ الشخص مرتبة الاجتهاد، وأن تمنح الإجازة الاجتهادية لمن توافرت فيه هذه الشروط، وبهذا تستطيع كل حكومة أن تعرف مجتهديها وآراءهم في أية واقعة، فإذا وقفت كل حكومة على آراء مجتهديها فى