أنكر فريق من المجتهدين الاستحسان واعتبروه استنباطاً للأحكام الشرعية بالهوى والتلذذ، وعلى رأس هذا الفريق الإمام الشافعي، فقد نقل عنه أنه قال:"من استحسن فقد شرع"، أي ابتدأ من عنده شرعا. وقرر في رسالته الأصولية أن "مثل من استحسن حكما مثل من اتجه في الصلاة إلى جهة استحسن أنها الكعبة، من غير أن يقوم له دليل من الأدلة التي أقامها الشارع لتعيين الاتجاه إلى الكعبة". وقرر فيها أيضا أن "الاستحسان تلذذ، ولو جاز الأخذ بالاستحسان في الدين جاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب، وأن يخرج كل أحد لنفسه شرعا".
والظاهر لي أن الفريقين المختلفين في الاستحسان لم يتفقا في تحديد معناه، فالمحتجون به يريدون منه معنى غير الذي يريده من لا يحتجون به، ولو اتفقوا على تحديد معناه ما اختلفوا في الاحتياج به، لأن الاستحسان هو عند التحقيق عدول عن دليل ظاهر أو عن حكم كلي لدليل اقتضى هذا العدول، وليس مجرد تشريع بالهوى. وكل قاض قد تنقدح في عقله في كثير من الوقائع مصلحة حقيقية، تقتضي العدول في هذه الجزئية عما يقضي به ظاهر القانون وما هذا إلا نوع من الاستحسان.
ولهذا قال الإمام الشاطبي في الموافقات: من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تكل الأشياء المعروضة، كالمسائل التي يقتضي فيها القياس أمرا إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى تفويت مصلحة من جهة أو جلب مفسدة كذلك.