للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مناسب، أي أن تشريع الحكم بناء عليه يحقق مصلحة، وهو معتبر من الشارع لأن الشارع بني الحكم عليه، وهذا المناسب المعتبر من الشارع إما مناسب مؤثر، وإما مناسب ملائم على حسب نوع اعتبار الشارع له، ولا خلاف في التشريع بناء عليه كما قدمنا.

وأما المصالح التي اقتضتها البيئات والطوارئ بعد انقطاع الوحي، ولم يشرع الشارع أحكاما لتحقيقها، ولم يقم دليل منه على اعتبارها أو إلغائها، فهذه تسمى المناسب المرسل أو بعبارة أخرى المصلحة المرسلة. مثل المصلحة التي اقتضت أن الزواج الذي لا يثبت بوثيقة رسمية لا تسمع الدعوى به عند الإنكار، ومثل المصلحة التي اقتضت أن عقد البيع الذي لا يسجل لا ينقل الملكية، فهذه كلها مصالح لم يشرع الشارع أحكاما لها، ولم يدل دليل منه على اعتبارها أو إلغاءها، فهي مصالح مرسلة.

أدلة من يحتجون بها:

ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن المصلحة المرسلة حجة شرعية يبني عليها تشريع الأحكام، وأن الواقعة التي لا حكم فيها بنص أو إجماع قياس أو استحسان، يشرع فيها الحكم الذي تقتضيه المصلحة المطلقة، ولا يتوقف تشريع الحكم بناء على هذه المصلحة على وجود شاهد من الشرع باعتبارها.

ودليلهم على هذا أمران:

أولهما: أن مصالح الناس تتجدد ولا تتناهى، فلو لم تشرع الأحكام لما يتجدد من مصالح الناس، ولما يقتضيه تطورهم واقتصر التشريع على المصالح التي اعتبرها الشارع فقط، لعطلت كثير من مصالح الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة، ووقف التشريع عن مسايرة تطورات الناس ومصالحهم، وهذا لا يتفق وما قصد بالتشريع من تحقيق مصالح الناس.

وثانيهما: أن من استقرأ تشريع الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين؛ يتبين أنهم شرعوا أحكاما كثيرة لتحقيق مطلق المصلحة، لا لقيام شاهد باعتبارها.

- فأبو بكر جمع الصحف المفرقة التي كان مدونا فيها القرآن، وحارب

<<  <   >  >>