"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ١. وفي ظلال الأخلاق الفاضلة تندفع الأفراد والجماعات إلى حياة متماسكة، فيها صحة أبدان وقوة عقول وعلو هِمَم، وفيها اعتزاز بالفضيلة وحرص عليها، وحمل على الرذيلة ونفور منها؛ وقد ابتلينا بمجموعة من الشباب كأن الشيطان الرجيم قد استقرهم حسا ونفسا، فهو يبثهم بين الناس؛ كي يحققوا ما يبغي لهم من خسار وبوار؛ هذه المجموعة تتمثل في أولئك الرقعاء المائعين أشباه الرجال الذين يتحلون بالمظاهر التي لا تليق بالرجال، فهم يلبسون الثياب الملونة والسراويل الضيقة، ويضعون السلاسل الذهبية حول أعناقهم، والأساور في أيديهم، ويتسكعون في الشوارع، يعبثون ويفجرون ويعتدون على النساء والفتيات، ويرددون أقذر الألفاظ، ويمشون مترنحين كأنهم خارجون سكارى من ماخور أو حانة خمور..
ومن المضحك المبكي أن هؤلاء الشبان يصفون الذين ينصحونهم أو يدعونهم إلى الرجولية والحياة المتماسكة بأنهم من أنصار القديم ... ورحمة الله ورضوانه على كثير مما فقدنا من هذا القديم، فأين عفة هذا القديم؟ وأين جهاد هذا القديم؟ وأين تماسك الأسرة في القديم؟ وأين صيانة الأعراض في القديم؟ وأين نشأة التدين والإيمان والقوة التي كانت في القديم؟.. سلاما سلاما على كثير من ذلك القديم، وسبحان من يحيى العظام وهي رميم.. الحق أننا خسرنا الكثير حين أعلنَّا الحرب على هذا القديم دون أن نفرق فيه بين فاسد وسليم، وبين ما يصح أن يترك وما يجب أن يصان، وفي حربنا القديم تركنا ذخائر نفائس.. تركنا الفضيلة؛ لأنها شيء قديم، ونسينا معنى الشرف؛ لأنه شيء قديم، وهزئنا بالقيم الفاضلة، والمبادئ الأخلاقية؛ لأنها شيء قديم، وأصبحت الفضولية الوصولية والإباحية من القيم الجديدة في العالم الجديد..