للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد لجَّ هذا الدَّهرُ في نَكَباته ... عليَّ إلى أنْ ليسَ في الكِيسِ درهمُ

وأمستْ جَواليقي برغم ظعينَتي ... رِهاناً على ما في الجَواليقِ يعكَمُ

وأعظم مِن ذا أنَّ شِعريَ مُعربٌ ... فصيحٌ وأنِّي حين أنطِقُ أعْجمُ

المعنى الَّذي في البيت الأوسط من هذه الأبيات غريب قليل في الشِّعر وما نعرف أحداً من الشعراء المتقدمين والمحدثين أتى به إلاَّ زيادٌ وأخذ منه ابن زرعة الكنانيّ فقال:

وسُفرتي في السُّوق مَرهونة ... على الَّذي يُؤكَلُ في السُّفره

عمرو بن برّاقة الهَمْدانيّ:

غَبرتْ خَيلُنا نُقاسمُها القُو ... تَ ولمْ يُبقِ حاصدُ المَحْل عُودا

شتوةً تُوسعُ الجِمالُ لها الرِّسْ ... لَ ونَسقي عِيالَنا تَصريدا

ذاكَ حتَّى إذا الرَّبيعُ نفَى الأز ... مةَ قُدْنا بها شياطينَ قُودا

حبَّذا هنَّ مَتجراً رَبَحَ الصَّفْ ... قَةِ تَحوي الغِنَى وتَشفي الحُقودا

وهذا المعنى أيضاً قليل، ومن أجود ما نعرف فيه بعد هذه الأبيات قول طُفيل الغَنويّ:

نُولِّيها الصَّريحَ إذا شَتَونا ... على عِلاَّتنا ونَلِي السَّمارا

رجاءً أنْ تؤدِّيَهُ إلينا ... من الأعداءِ غَصْباً واقْتِسارا

الأوَّل أجود لأنَّ الثاني جعله " رجاءً " والأوَّل جعله حقّاً وبيَّن عنه فقال: " بكلّ قَعب لبنٍ قعودُ " والشيء إذا كان من جنسه كان أحذق لقائله، وهو يشبه قول أبي تمَّام:

رَقاحِيُّ حربٍ طالَ ما انقلبتْ لهُ ... قَساطلُ يوم الرَّوع وهْيَ سَبائكُ

ومثله قول البحتريّ:

فلا تَسألوها عن قديم تُراثها ... فعَسجدُها ممَّا أفادَ حَديدُها

وشبيه بهذا وإن لم يكن هو بعينه قول الآخر:

شكرتْ جِيادُك منك حُسنَ مَقيلها ... في الصَّيف بين بَراقعٍ وجِلالِ

فَجَزتكَ صبراً في الوَغَى حتَّى انثنتْ ... جَرْحَى الصُّدور سليمةَ الأكفالِ

لم نُرد بهذين البيتين سلامة الأعجاز وجِراحات الصُّدور، وأن ذلك مدحٌ للفارس، ولو أردنا ذلك لجئنا ببيت صالح الدَّيلميّ ونظائره، وهو:

<<  <   >  >>