من الشعراء وما أقلَّ زيادة بعضهم على بعض فيه، أكثرهم يسأل ربَّه أن يجعله والَّتي يحبّ جملين أجربين يطردان عن المياه ويقذفان بالحجارة عن المناهل وبعضهم يتمنَّى أن يكون غزالاً والَّتي يهوى ظبيةً في برّيّة خساف حيث لا يراهما أحدٌ ولا يسمع لهما خبرٌ، وهذا أصلح أمنيةً من الأول إلى أشياء كثيرة من هذا النوع ونحن نذكر بعضها، فممّن تمنّى أن يكون جملاً والَّتي يحبّ ناقةً الفرزدق:
ألا ليتَنا كنّا بعيرَينِ لا نَرِد ... على منهلٍ إلاَّ نُشَلُّ ونُقذفُ
كلانا به عَرّ يُخاف قِرافُه ... على النَّاس مطليُّ المشاعر أخشفُ
ويا ليتنا كنّا جميعاً بقفرةٍ ... من الأرض لا يجتازُها المتعسِّفُ
ولا زاد إلاَّ فضلتان سُلافة ... وأبيضُ من ماءِ المدامة قرقَفُ
وأشلاء لحمٍ من حُبارى يصيدها ... إذا نحن شئنا صائد متألِّفُ
ومثله لآخر:
ألا ليتنا والله من غير ريبةٍ ... بعيرانِ نرعى القفر مُؤتلفانِ
إذا ما أتينا حاضراً صاح أهلُه ... وقالوا بعيرا عُرّةٍ جَرِبانِ
فأمّا الَّذي أشبع هذا المعنى وتمنَّى فيه الأماني الطريفة فكُثيِّر بقوله:
ألا ليتنا يا عزَّ كنّا لذي غِنًى ... بعيرَينِ نرْعى في الخلاءِ ونَعْزُبُ
نكونُ بعيرَي ذي غِنًى فيُضيعُنا ... فلا هو يرعانا ولا نحنُ نُطلبُ
كلانا به عُرٌّ فمن يرَنا يقُلْ ... على حُسنها جرْباءُ تُعْدي وأجرَبُ
إذا ما وردْنا منهلاً صاحَ أهلُه ... علينا فما ننفكُّ نُرْمى ونُضربُ