لذلك وظننَّاه شيئاً عمله على البديهة، فلما انصرف الأصمعي قلنا له: قد عرفنا غرضك فيما فعلت وأقبلنا نطريه ونقرّظه فقال: إنْ كان تقريظكم لي لأني عملت الشِّعر فما عملته والله ولكنَّه للشنفرى يرثي تأبَّط شرّاً، ووالله لو سمع الأصمعي بيتاً من الشعر الَّذي كنت أُنشدكموه ما أمسى أو يقوم به خطيباً على منبر البصرة فيُتلف نفسي، فادّعاء شعرٍ لو أردت قول مثله ما تعذَّر عليَّ أهون عندي من أن يتَّصل بالسلطان فألحق باللَّطيف الخبير. قال أبو العيناء: فسألنا العتبيّ شعر خلف الَّذي ذكر فيه أهل البيت عليهم السلام فدافعنا مدَّة ثمَّ أنشدنا:
قَدْك منِّي صارمٌ ما يُفللُّ ... وابنُ حزمٍ عقدُه لا يحلُّ
ينثَني باللَّوم مِن عاذِليهِ ... ما يُبالي أكثَروا أم أقلُّوا
لرسول الله في أقربيهِ ... وبَنيهِ حيثُ ساروا وحلُّوا
عنده مكنون نُصحٍ وودٍّ ... خالصٍ لم يقتدحْ فيه غلُّ
أهل بيت ما على جاحِدِيهم ... حقَّهم في الزُّبر ألاَّ يصلُّوا
صفوةُ الله الأُلَى من لدُنْهُ ... لهم القدرُ الأعزُّ الأجلُّ
ما أطاعَ اللهَ قومٌ تولَّوا ... من سواهُم بل عصَوهُ وضلُّوا
وبهم شُقَّ دُجَى الغيِّ عنهم ... وعلى الإيمانِ والدِّين دُلُّوا
وبهم صُبَّت على كلِّ باغٍ ... باذخِ العزِّ صَغارٌ وذلُّ
غَصبوهم حقَّهم واستحَلّوا ... ظالموهُم منه ما لا يحِلُّ
واقتدَوْا فيهم بما سنَّ رِجسٌ ... بارزَ اللهَ زنيمٌ عُتُلُّ
لم يُراقبْ خشيةَ الله فيهم ... آصرٌ منه ولم يُرعَ إلُّ
فهمُ شتَّى قتيلٌ صريعٌ ... دمُهُ فيهم حذاراً يطَلُّ
وأسير في طمارٍ عليه ... من حديد القَين كبلٌ وغُلُّ