وكانت السماء قبل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تجعل الرسول يُدلِي بمعجزته، أو يقول بمنهجه، لكن لا تطلب منه أن يُؤدِّب المعاندين والمعارضين له إنما تتولّى السماء عنه هذه المهمة فتُوقِع بالمكذبين عذابَ الاستئصال.
وقد أُمِنَتْ أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من عذاب الاستئصال، فمَنْ كفر برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يأخذه الله كما أخذ المكذِّبين من الأمم السابقة، إنما يقول سبحانه:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ١٤] .
وكملة {فَأَهْلَكْنَاهُمْ}[الشعراء: ١٣٩] كلمة صادقة، لها دليل في الوجود نراه شاخصاً، كما يقول الحق سبحانه:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد}[الفجر: ٦٨] .
نعم، كانت لهم حضارة بلغتْ القمة، ولم يكُنْ لها مثيل، ومع هذا كله ما استطاعت أنْ تصون نفسها، وأخذها الله أَخْذ عزيز مقتدر.
قال تعالى:{وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وباليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[الصافات: ١٣٧١٣٨] .
أي: أنها شاخصة أمامكم تروْنها وتمرُّون عليها، وأنتم لم تبلغوا مبلغَ هذه الحضارة، فإذا كانت حضارتهم لم تمنعهم من أَخْذ الله العزيز المقتدر، فينبغي عليكم أنْ تتنبهوا إلى أنكم أضعف منهم، وأن ما حاق بالكافرين وما نزل بالمكذِّبين ليس ببعيد عن أمثالهم من الأمم الأخرى.
لذلك تجد الحضارات التي تُتوَارث في الكون كلها آلتْ إلى زوال،