{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وارتابت قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}
وهكذا أصدر الله حكمه فيمن أقدموا على الاستئذان، فما دام الإنسان قد تردد بين أن يخرج للجهاد أو لا يخرج، فهذا يكشف عن اهتزاز إيمانه، وهذا الاهتزاز يعني وجود شك في نفسه، فيما أعد الله له في الآخرة؛ لأنه إذا كان واثقاً في داخله يقيناً أنه سيدخل الجنة بلا حساب إنْ استشهد، ما تردد ثانية واحدة، ولا أدار الأمر في رأسه هل يذهب أو لا يذهب؟ فما دامت الجن هي الغاية، فأيُّ طريق مُوصل إليها يكون هو الطريق الذي يتبعه مَنْ في قلبه يقين الإيمان، وكلما كان الطريق أقصر كان ذلك أدعى إلى فرح الإنسان المؤمن؛ لأنه يريد أن ينتقل من شقاء الدنيا إلى نعيم الآخرة، وحتى لو كان يحيا في نعيم في الدنيا، فهو يعرف أنه نعيم زائل وهو لا يريد هذا النعيم الزائل، بل يريد النعيم الباقي الذي لا يزول.
والتردد والاستئذان هنا معناهما: أن الشك قد دخل في قلب الإنسان، ومعنى الشك - كما نعلم - هو وجود أمرين متساويين في نفسك لا يرجح أحدهما حتى تتبعه. والنسب الكلامية والقضايا العقلية تدور بين أشياء متعددة، فأنت حين تجزم بحكم فلا بد أن يكون له واقع يؤيده؛ لأنك إن جزمتَ بشيء لا واقع له فهذا جهل، والجهل - كما نعلم - أن نعتقد أن