وإذا كنا عند ربنا وفي حضرة ما منحه لما من خَلْق وما أمدنا به من إيجاد من عُدم سواء، فلماذا خص هؤلاء بالعندية؟ .
إياك أن تفهم من العندية أنها عندية المكان؛ لأن المكان مُحَيَّز، وربنا عَزَّ وَجَلَّ لا يتحيز في مكان، والعندية هنا عندية الفضل، وعندية الرحمة، وعندية الملك، وعندية العناية. أو إن كل خلق لله جعل لهم أسباباً ومسبَّبات، ولكن خلقاً من خلقه يسبحونه بذاته، وليس لهم عمل آخر، ويعرفون بالملائكة العالين، لا الملائكة المدبرات أمراً أو الحفظة. ولذلك قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه وتعالى حينما أمر الملائكة بالسجود لآدم، وامتنع إبليس، قال له:{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين}[ص: ٧٥] .
و {العالين} هم الذين لم يشملهم أمر السجود، فهم ملائكة موجودون ولا عمل لهم إلا تسبيح الذات العلية ولا يدرون عن الخلق أو الدنيا شيئاً. وهم غير الملائكة المسخرين لخدمتنا؛ فالذين عند ربنا هم الملائكة المُهيَّمون الذين لا يعرفون شيئاً إلا الذات الإلهية وتسبيح الذات وعملهم يحدده الله هنا:{لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}
واختلف العلماء في كيفية سجود الملائكة، أهو الخضوع؟ أهو الصلاة؟ أهو السجود الذي نعرفه نحن؟ والسجود عندنا هو منتهى ما يمكن من الخضوع لله عَزَّ وَجَلَّ وقت الصلاة. لأنه نزول بأشرف شيء في الإنسان وهو الوجه الذي يضعه المؤمن على الأرض خضوعاً لله عَزَّ وَجَلَّ. ولذلك علمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ