قال هنا {العلم والإيمان ... }[الروم: ٥٦] فهل العِلم ينافي الإيمان؟ لا، لكن هناك فَرْق بينهما، فالعلم كسب، والإيمان أنت تؤمن بالله وإنْ لم تَرَه. إذن: شيء أنت تراه وتعلمه، وشيء يخبرك به غيرك بأنه رآه، فآمنتَ بصدقه فصدَّقْتَه، فهناك تصديق للعلم وتصديق للإيمان؛ لذلك دائما يُقَال: الإيمان للغيبية عنك، أما حين يَقْوى إيمانك، ويَقْوى يقينك يصير الغيب كالمشاهَد بالنسبة لك.
وقد أوضحنا هذه المسألة في الكلام عن قوله تعالى في خطابه لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل}[الفيل: ١] .
فقال: ألم تَرَ مع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وُلِد عام الفيل، ولم يتسَنّ له رؤية هذه الحادثة، قالوا: لأن إخبار الله له أصدق من رؤيته بعينه.
فقوله:{أُوتُواْ العلم والإيمان ... }[الروم: ٥٦] لأن العلم تأخذه أنت بالاستنباط والأدلة ... الخ، أو تأخذه ممن يخبرك وتُصدِّقه فيما أخبر، «لذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما سأل الصحابي:» كيف أصبحتَ «؟ قال: أصبحتُ مؤمناً حقاً، قال:» لكلِّ حقٍّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك «؟