معنى {وَمَكَرُواْ مَكْراً}[النمل: ٥٠] أي: ما دبّروه لقتل نبي الله ورسوله إليهم {وَمَكَرْنَا مَكْراً}[النمل: ٥٠] وفَرْق بين مكر الله عَزَّ وَجَلَّ {والله خَيْرُ الماكرين}[آل عمران: ٥٤] وبين مكْر الكافرين {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ}[فاطر: ٤٣] .
إذن: حين تمكر بخير، فلا يُعَدُّ مكْراً، إنما إبطال لمكْر العدو، فلا يجوز لك أنْ تتركه يُدبِّر لك ويمكُر بك، وأنت لا تتحرك؛ لذلك قال تعالى {والله خَيْرُ الماكرين}[الأنفال: ٣٠] لأنهم يمكرون بشرٍّ، ونحن نمكر لدفع هذا الشر لِنُصْرة رسولنا، ونجاته من تدبيركم.
والمكْر: مأخوذ من قولهم: شجرة ممكورة، وهذا في الشجر رفيع السَّاق المتسلق حين تلتفُّ سيقانه وأغصانه، بعضها على بعض، فلا تستطيع أن تُميِّزها من بعضها، فكُلٌّ منها ممكور في الآخر مستتر فيه، وكذلك المكر أن تصنع شيئاً تداريه عن الخصم.
وقوله تعالى:{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}[النمل: ٥٠] أي: أنه مكْر محبوك ومحكم، بحيث لا يدري به الممكور به، وإلا لا يكون مَكْراً.
وحين نتأمل:{وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ}[فاطر: ٤٣] و {والله خَيْرُ الماكرين}[آل عمران: ٥٤] نعلم أن المكر لا يُمدح ولا يُذَمُّ لذاته، إنما بالغاية من ورائه، كما في قوله تعالى عن الظن:{ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن}[الحجرات: ١٢] فالظن منه الخيِّر ومنه السيىء.