للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهدى هو الطريق أو الدرب المُوصِّل للغاية. وتأتي على الطريق أحقاب الليل والنهار، فالطريق مُظلم ليلاً، وقد تعترض السائر فيه عقبات، أو قد لا يمشي السائر في سواء السبيل أي وسط الطريق، فيقع في حفرة أو يصطدم بحجر.

ويوضح الحق هنا: لقد صنعت لكم الدرب وأَنرته لكم حتى لا تصطدموا بشيء أو تأتي لكم عقبات، وتمثَّل ذلك في المنهج الذي جاء به موكب الرُّسل كلهم. وقديما كان العالم مفككا، متناثر الجماعات، فلا توجد مواصلات، وتعيش كل جماعة في انعزال وشبه استقلال، فإن حصلت داءات في بقعة ما تظل محصورة في هذه البقعة، ويأتي رسول ليعالج هذه الداءات، فهذا يعالج أمر عبادة الأصنام، وذلك يعالج مسألة الكيل والميزان، وثالث يعالج الأمور المنظمة للحياة الزوجية عند اليهود.

هذه الداءات كانت متعددة بتعدد الجهات، وعندما أراد الحق سبحانه أن يبصر الناس بأسرار كونه ليستنبطوا منها ما يقرب المسافات ويمنع المشقات لتلتقي الأمم. وعندما تلتقي الأمم لا يوجد فصل بين الداءات، فالداء الواحد يحصل في الشرق لينتقل إلى الغرب. وكأن الداءات تتحد في العالم أيضاً.

إذن لا بد أن يجيء الرسول الجامع ليعالج الداءات كلها، فيأتي صلّى الله عليه وسلم الجامع المانع، فإذا ما قال الحق: إنه أنزل التوراة فيها هدى ونور، فالإنجيل أيضاً فيه هدى ونور، وكل هدى ونور في أي كتاب إنما هو للداءات الموجودة في البيئة المنعزلة. مثال ذلك أن سيدنا إبراهيم كان موجوداً، ومعه في الزمن نفسه سيدنا لوط. وها هوذا سيدنا موسى كان موجودا. وكذلك سيدنا شعيب، إذن كانت الرُّسل تتعاصر في بعض الأحيان لأن كلا منهم يعالج داء معينا. وهكذا كانت الرسالات تأتي محدودة الزمان ومحدودة المكان.

أما محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد بعثه الله للناس كافة بكل أجناسهم وتقوم على منهجه الساعة؛ لذلك لم تعد الأرض في حاجة إلى رسول آخر، وصار من المنطقي أن يكون هو الرسول الخاتم.

{إِنَّآ أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النبيون الذين أَسْلَمُواْ} لماذا إذن يأتي

<<  <  ج: ص:  >  >>