قالوا: لا يُكذِّب دعوة الخير إلا المستفيدون من الشر؛ لأن الخير سيقطع عليهم الطريق، ويسحب منهم مكانتهم وسلطتهم وسيادتهم، فكل الذين عارضوا رسل الله كانوا أكابر القوم ورؤساءهم، وقد ألفوا السيادة والعظمة، واعتادوا أن يكون الناس عبيداً لهم، فكيف إذن يُفسِحون الطريق للرسل ليأخذوا منهم هذه المكانة؟
وإلا، فلماذا كان عبد الله بن أُبَيٍّ يكره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ لأنه يوم وصل رسول الله إلى المدينة كانوا يُعِدُّون التاج لعبد الله بن أبي، لينصبوه مَلِكاً على المدينة، فلما جاءها رسول الله شغلوا بهذا الحدث الكبير، وانصرفوا عن هذه المسألة.
لكن، ماذا قال شعيب لقومه حتى يُكذِّبوه؟ لقد قال لهم أمرين هما:{اعبدوا الله وارجوا اليوم الأخر}[العنكبوت: ٣٦] ونهي واحد في {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ}[العنكبوت: ٣٦] ومعلوم أن الأمر والنهي قوْل لا يحتمل الصِّدْق، ولا يحتمل الكذب؛ لأنه إنشاء وليس خبراً، لأنه ما معنى الكذب؟ الكذب أن تقول لشيء وقع أنه لم يقع، أو لشيء لم يقع أنه وقع، وهذا يسمونه خبراً.
فإنْ وافق كلامك الواقعَ فهو صِدْق، وإنْ خالف الواقع فهو كذب، إذن: كيف نحكم على ما لم تقع له نسبة أنه صِدْق أو كذب؟ حينما تقول مثلاً: قِفْ. هل نقول لك إنك كاذب؟ لا، لأن واقع الإنشاء لا يأتي إلا بعد أنْ تتكلم، لذلك قسَّموا الكلام العربي إلى خبر وإنشاء.
ولكي نبسط هذه المسألة على المتعلم نقول: المتكلم حين يتكلم يأتي بنسبة اسمها نسبة كلامية، قبل أن يتكلم بها جالتْ في ذهنه،