كأن الشيطان له خطوات متعددة ليست خطوة واحدة، وقد أثبت الله عداوته لبني آدم، وهي عداوة مُسبِّبة ليست كلاماً نظرياً، إنما هو عدو بواقعة ثابتة، حيث امتنع عن السجود لآدم، وعصى أمر الله له، بل وأبدى ما في نفسه وقال:{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}[الأعراف: ١٢] .
وقال:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}[الإسراء: ٦١] وهكذا علّلَ امتناعه بأنه خير، وكأن عداوته لآدم عداوة حسد لمركزه ومكانته عند ربه.
والحق - تبارك وتعالى - حينما يخبرنا بعداوة الشيطان من خلال امتناعه عن السجود، إنما يحذرنا منه، ويُنبِّهنا إلى خطره ويُربِّي فينا المناعة من الشيطان؛ لأن عداوته لنا عداوة مركزة، ليست عداوة يمارسها هكذا كيفما اتفق، إنما هي عداوة لها منهج ولها خطة.
فأول هذه الخطة أنه عرف كيف يقسم، فدخل على الإنسان من باب عزة الله عن خَلْقه، فقال:{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: ٨٢] .
فلو أرادنا ربنا - عَزَّ وَجَلَّ - مؤمنين ما كان للشيطان علينا سبيل، إنما تركنا سبحانه للاختيار، فدخل علينا الشيطان من هذا الباب؛ لذلك قال بعدها:{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين}[الحجر: ٤٠] فمَنِ اتصف بهذه الصفة فليس للشيطان إليه سبيل.
إذن: مسألة العداوة هذه ليست بين الحق سبحانه وبين الشيطان، إنما بين الشيطان وبني آدم.
فقوله تعالى:{ياأيها الذين آمَنُواْ. .}[النور: ٢١] نداء: يا من آمنتم بإله كأنه يقول: تَنبَّهوا إلى شرف إيمانكم به، وابتعدوا عما يُضعِف هذا الإيمان، أو يفُتُّ في عَضُدِ المؤمنين بأيِّ وسيلة، وتأكّدوا أن الشيطان له خطوات متعددة.