وهذه الآية جاءت في السورة التي أحل الله فيها بهيمة الأنعام، وحرّم منها ما حرّم. فهو سبحانه الذي خلق الإنسان، وخلق له ما يستبقي حياته من قوت، وما يستبقي نوعه بالتزاوج. وإذا كان الحق هو الذي جعل الإنسان خليفة في الأرض فقد أعدّ له كل هذه المقومات للحياة من قبل آدم عليه السلام، أعدّ سبحانه لخلقه الأرض والسماء والماء والهواء، ومما ذخر وخَبّأ وأوجد في الأرض من أقوات لا تنتهي إلى يوم القيامة.
ولنا أن نلتفت إلى فارق مهم بين «الخلق» ، وبين «الجَعْل» . فالخلق شيء، والجعل شيء آخر. والخلق هو إيجاد من عدم. والجَعْل هو توجيه مخلوق لله إلى مهمته في الحياة. فخلق الله لا يخلقون شيئاً، إنما الخلق والإيجاد له سبحانه. وعلينا - نحن الخلق - أن نخصص كل شيء لمهمته في حياته التي أرادها الله، أي أن نترك «الجعل» لله ولا نتدخل فيه، بمعنى أن الخالق سبحانه وتعالى خلق الخنزير - على سبيل المثال - ليأكل من القاذورات وليحمي الإنسان من أمراض وأضرار كثيرة، وعلى الإنسان - إذن - أن يخصص الخنزير لهذه المهمة فلا يحوّله إلى غير مهمته كأن يأكله مثلا؛ لأن تحويل مهمة مخلوق لله إلى غير مهمته هو أمر يضر بالإنسان الذي أراده الله سيداً مستخلفاً في الكون.