للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و {مُتَبَّرٌ} أي هالك ومدمر، وهنا يوضح لهم موسى أن هؤلاء الجماعة التي تعبد الأصنام؛ وهم وأصنامهم هالكون، وما يعملون هو باطل لأن قضايا الكون إن أردتم أن تعرفوا حقيقتها، فلابد لها من ثبوث، والحق ثابت لا يتغير أبداً لأن له واقعاً يُستقرأ، ومثال ذلك إذا حصلت حادثة بالفعل أمامنا جميعاً، ثم طلب من كل واحد على انفراد أن يقول ما رآه فلن نختلف في الوصف لأننا نستوحي واقعاً، لكن إن كانت القضية غير واقعية فكل واحد سيقولها بشكل مختلف، ولذلك نجد من لباقة القضاء أن القاضي يحاور الشهود محاورات ليتبيّن ما يثبتون عليه وما يتضاربون فيه. وإن كان الشهود يستوحون حقيقة واقعية، فلن يختلفوا في روايتهم، ولكنهم يختلفون حين لا يتأكد أحدهم من الواقعة أو أن تكون غير حقيقية.

والمثل العربي يقول: «إن كنت كذوباً فكن ذكوراً» أي إن كذبت - والعياذ بالله - وقلت قولاً غير صادق فعليك أن تتذكر كذبتك، وأنت لن تتذكرها لأنها أمر متخيّل وليس أمراً ثابتاً. وقد يجوز أن يأخذ غير الواقع زهوة ولمعاناً فنقول: إياك أن تغتر بهذه الزهوة لأن الحق سبحانه وتعالى يقول: {أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال} [الرعد: ١٧]

لقد شبه سبحانه الباطل بالزبد وهو ما يعلو السائل أو الماء من الرغوة والقش والمخلفات التي تعوم على سطح المياه إنه يتلاشى ويذهب، أما ما ينفع الناس فيبقى. ونحن نختبر المعادن لنعرف هل هي مغشوشة أو لا. . ونعرضها على النار، فيطفوا ما فيها من مادة غير أصيلة وما فيها من شوائب، ويبقى في القاع المعدن الأصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>