وساعة نسمع استفهاماً مثل قوله الحق:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} فحسن الاستنباط يقتضي أن نفهم أن الذي أسلم وجهه لله هو الأحسن ديناً، وفي حديثنا اليومي نقول: ومن أكرم من زيد؟ . معنى ذلك أن القائل لا يريد أن يصرح بأن زيداً هو أكرم الناس لكنه يترك ذلك للاستنباط الحسن. ولا يقال مثل هذا على صورة الاستفهام إلا إذا كان المخبر عنه محدداً ومعيناً، والقائل مطمئن إلى أنّ من يسمع سؤاله لن يجد جواباً إلا الأمر المحدد المعين لمسئول عنه. وكأن الناس ساعة تدير رأسها بحثاً عن جوابٍ للسؤال لن تجد إلا ماحدده السائل.
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} والإجابة على مثل هذا التساؤل: لا أحد أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله. وهكذا نرى أن الله يلقى خبراً مؤكداً في صيغة تساؤل مع أنه لو تكلم بالخبر لكان هو الصدق كله:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً}[لنساء: ١٢٢]
وسبحانه يلقي إلينا بالسؤال ليترك لنا حرية الجواب في الكلام، كأنه سبحانه يقول:
- أنا أطرح السؤال عليك أيها الإنسان وأترك لك الإجابة في إطار ذمتك وحكمك فقل لي من أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله؟ وتبحث أنت عن الجواب فلا تجد أحسن ممن أسلم وجهه لله فتقول:
- لا أحد أحسن ممن أسلم وجهه لله. وبذلك تكون الإجابة من المخاطب إقراراً، فالإقرار - كما نعلم - سيد الأدلة.