عندما يأتي التعجب هنا فهذا معناه أن الإنسان يحب أن يعلم أن إيمانه بالله مسألة تعطينا الخير لأنفسنا. فحين نؤمن بالله يقابلنا الحق بفيض الكرم من اطمئنان وخير وعطاء. فإياكم أيها الناس أن تعتقدوا أن الإيمان جاء ليحجب حرياتكم أو أنه يمنع عنكم اشتهاء الأشياء. ولكن الإيمان جاء ليعلي الحرية، ويعلي الشهوة فلا يأخذها الإنسان عابرة تنتهي بانتهاء الدنيا ولكن ليأخذها الإنسان خالدة ما بقيت السموات والأرض.
إذن فالدين إنما جاء بالنفعية العاقلة؛ لأن العاقل إنما يأخذ على مقدار عمره من نفع يسير ولا يضر أحداً، وإن كان يضر النفس أو الغير فالدين يأمر بترك هذا النفع، ذلك أن النفع إما أن يفوت الإنسان أو يفوته الإنسان. والذكي هو من يؤثر نفع غيره على نفع نفسه.
مثال ذلك أن يأتيك سائل يسألك الطعام لأنه لم يأكل منذ يومين، ولا يكون في جيبك إلا جنيه واحد فتعطيه له، إنك بذلك تؤثره على نفسك، فتكون ضمن من قال فيهم الحق سبحانه:{والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون}[الحشر: ٩] .
وبمثل هذا السلوك يكون الإنسان قد اقتدى بالأنصار الذين استضافوا المهاجرين وخلصوا الإيمان فأحبوا أهله، ولا يجدون حقداً أو حسداً فيما خُصّ به المهاجرون