عندما ننظر إلى هذه الآية بخواطرنا فإننا نجد أن الحق يمزج الرسول والمؤمنين به والمرسل إليهم في الإيمان به، ويتحدث إلى الرسول والمؤمنين كوحدة إيمانية، إن قول الحق:«قل» هو خطاب لمفرد هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والمقول:{آمَنَّا} دليل على انسجام الرسول مع الأمة المؤمنة به، فكأن الأمة الإسلامية قد انصهرت في «قل» ، وكأن الرسول موجود في {آمَنَّا} ، وبذلك يتحقق الامتزاج والانسجام بين الرسول وبين المؤمنين به، ويصير خطاب الحق إليهم هو خطاب لوحدة إيمانية واحدة لا انفصام فيها.
وقد جاء الحق بهذا الأسلوب ليوضح لنا أن الرسول لم يأت ليتعالى على أمته، بل جاء ليحمل أعْباءَ هذه الأمة، ولذلك قلنا من قبل: إن للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إيمانين، لقد آمن بالله، وأمن للمؤمنين، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيشفع لنا، لأنه قد أدى مُؤدى يسع أمته كلها، لقد أتم البلاغ وخضع للتكليف بما يسع أمته كلها، ولذلك يقول الحق:{قُلْ آمَنَّا} ، كان القياس أن يقول:«قل آمنت» ، أو أن يقول:{قولوا آمَنَّا} . لكن الحق في قرآنه الكريم يضع كل كلمة في موضعها، فتصبح الكلمة جاذبة لمعناها، ويصبح كل معنى عاشقا لكلمته، وقد قال الحق هنا:{قُلْ آمَنَّا} ليتضح لنا أن محمدا رسول ممتزج في أمته، وأمة الإسلام في طواعية لرسولها، والأمر يأتي لرسول الله من الحق سبحانه، والتنفيذ لهذا الأمر يكون من الجميع، وفي هذا إشعار للخصوم أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيكون ذا عصبية إيمانية قوية، فلو قال:«قل آمنت» لكان معنى ذلك أن الرسول لن يملك إلا إيمانه فقط، لكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آمن به قومه، وكثير غيرهم وجاء على يديه فتح مكة كما قال الحق:{إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً}[النصر: ١ - ٢] .