وهم هنا يسخرون من الرسول ومن القرآن؛ ذلك أنهم لو كانوا يؤمنون بالقرآن وبالرسول؛ لَمَا وصفوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالجنون. والذين قالوا ذلك هم أربعة من كبار الكفار: عبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، ونوفل بن خويلد، والوليد بن المغيرة. وقيل عن ابن عباس: إنهم الوليد بن المغيرة المخزومي؛ وحبيب بن عمرو الثقفي. وقيل عن مجاهد: إنهم عتبة بن ربيعة، وكنانة بن عبد ياليل.
والظاهر من قولهم هو التناقض الواضح؛ فَهُمْ شاءوا أم أبَوْا يعترفون بالقرآن بأنه «ذِكْر» ، والذِّكْر في اللغة له عدة مَعَانٍ، منها الشرف، وقد أُطلِق على القرآن، كما قال الحق سبحانه:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف: ٤٤]
وسبق لهم أن تلمَّسُوا في هذا القرآن هناتٍ؛ فلم يجدوا، فكيف يَصِفون مَنْ نُزِّل عليه هذا القرآن بالجنون؛ وهم الذين شهدوا له من قَبْل بالصدق والأمانة.
وقد شاء الحق سبحانه أن يُنصِف رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال:{وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤]