يريد الله تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى أنه بعد أن جعل المسخة الخلقية والأخلاقية لليهود:{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} أي ما معها: {وَمَا خَلْفَهَا} أي ما بعدها: «والنكال» هو العقوبة الشديدة. . والعقوبة لابد أن تنشأ عن تجريم أولا. . هذا هو المبدأ الإسلامي والمبدأ القانوني. . فرجال القانون يقولون لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص. . قبل أن تعاقب لابد أن تقول أن هذا الفعل جريمة عقوبتها كذا وكذا. . وفي هذه الحالة عندما يرتكبها أي إنسان يكون مستحقا للعقوبة. . ومادام هذا هو الموقف فلابد من تشريع.
والتشريع ليس معناه أن الله شرع العقوبة. . ولكن معناه محاولة منع الجريمة بالتخويف حتى لا يفعلها أحد. . فإذا تمت الجريمة فلابد من توقيع العقوبة. . لأن توقيعها عبرة للغير ومنع له من ارتكابها. . وهذا الزجر يسمى نكولا ومنها النكول في اليمين أي الرجوع فيه.
إذن قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً} . . أي جعلناهم زجرا وعقابا قويا. . حتى لا يعود أحد من بني إسرائيل إلى مثل هذه المخالفة:{نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} . . أي عقوبة حين يرويها الذين عاصروها تكفي لكيلا يقتربوا من هذه المعصية أبدا. . وتكون لهم موعظة لا ينسونها:{وَمَا خَلْفَهَا} يعني جعلناها تتوارثها الأجيال من بني إسرائيل جيلا بعد جيل. . كما بيننا الأب يحكي لابنه حتى لا يعود أحد في المستقبل إلى مثل هذا العمل من شدة العقوبة:{وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} . . أي موعظة لكل الناس الذين سيبلغهم الله تبارك وتعالى بما حدث من بني إسرائيل وما عاقبهم به. . حتى يقوا أنفسهم شر العذاب يوم القيامة الذي