أي أن لهؤلاء المتقدمين الذين صبروا وصابروا ورابطوا، لهم دار السلام، وهو أسلوب مكون - كما يقال - من مبتدأ وخبر، الا أن المبتدأ أُخرِّ هنا، والخبر تقدّم، وكان المنطق أن يقال:«دار السلام لهؤلاء» ولكن الأسلوب القرآني جاء ليقدم الخبر المكون من الجار والمجرور ومتعلقه، ويؤخر المبتدأ وذلك لخصوصية أرادها الحق، وهي أن هذه الدار لهم وحدهم دون غيرهم فهي خالصة لهم يوم القيامة و «دار السلام» مكونة من كلمتين، «دار» ومعناها ما يستقر فيه الإنسان، ويجمع هذا المكان كل ما تتطلبه حياة الإنسان، وهي أوسع قليلاً من كلمة «بيت» ؛ لأن البيت مكان يعد للبيتوتة، لكن كلمة «دار» تعد للحياة ولما يتعلق بالحياة من مقوماتها.
و «دار» هنا مضافة إلى السلام، وهو - كما نعلم - اسم من أسماء الله، إذن فالحق هنا يوضح: لهم دار منسوبة للسلام وهو الله، وهم مستحقون لها جزاءً منه، فإذا كانت الدار التي وعدها الله هي دار السلام وهو الله، فلابد أن فيها متعاً وامكانات على قدر فضل المضاف إليه وهو الله، ولماذا لم يقل الله:«دار الله» ؛ لأن الله أراد أن يأتي بوصف آخر من أوصافه؛ ليعطيهم السلام والأمن والاطمئنان.
وهناك فرق بين دور الدنيا، وهذه الدار؛ فدور الدنيا فيها متع، ولكنك فيها بين أمرين: إما أن تفوت أنت ما هي فيه، وإما أن يفوتك ما فيها، ولذلك لا يوجد في الدنيا أمن؛ لأن غيرك قد يناوئك فيها ويعاديك، وقد تأتي لك مكدرات المرض، وقد تأتي لك معكرات الأعداء، كل ذلك ينغص عليك الأمن والسلام في الدنيا. ولذلك أراد الحق ان تكون لك الآخرة دار السلام مادمت قد آمنت، وأن تأمن فيها