إذن الآية السابقة عالجت قضية البعث بضرب المثل بالآية الكونية الموجودة؛ فالرياح التي تحمل السحاب، والسحاب يساق إلى بلد ميت وينزل منه الماء فيخرج به الزرع. والأرض كانت ميتة ويحييها الله بالمطر وهكذا الإِخراج بالبعث وهذه قضية دينية، ويأتي في هذه الآية بقضية دينية أيضا:{والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} .
والبلد الطيب هو البلد الخصب الذي لا يحتاج إلا لى المياه فيخرج منه الزرع، أما الذي خبث، فمهما نزل عليه الماء فلن يخرج نباته إلاّ بعد عناء ومشقة وهو مع ذلك قليل وعديم النفع. وهنا يخدم الحق قضية دينية مثلما خدم القضية الدينية في البعث أولاً. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة؛ قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل فقه في دين الله تعالى، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به» .
إذن فالمنهج ينزل إلى الناس وهم ثلاثة أقسام؛ قسم يسمع فينفع نفسه وينقل ما عنده إلى الغير فينفع غيره مثل الأرض الخصبة شربت الماء وقبلته، وأنبتت الزرع، وقسم يحملون المنهج ويبلغونه للناس ولا يعملون به وينطبق عليهم قوله الحق:{ ... لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}[الصف: ٢]