الحق سبحانه في هذه الآية يريد أنْ يُربِّي الكفار ويُؤنّبهم، ويريد أن يُبَرّئ ساحة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويتحمل عنه المسئولية، فهو مجرد مُبلّغ عن الله، وإياكم أن تقولوا عنه مُفْترٍ، أو أتى بشيء من عنده، بدليل أنني لو شِئْتُ لسلبتُ ما أوحيتُه إليه وقرأه عليكم وسمعتموه أنتم وكتبه الصحابة.
فإنْ سأل متسائل: وكيف يذهب الله بوحي مُنزِّل على رسوله، وحفظه وكتبه الصحابة، وسمعه الكفار؟
نقول: أولاً: سياق الآية يدلُّنا على أن هذه العملية لم تحدث؛ لأن الحق سبحانه يقول:{وَلَئِن شِئْنَا. .}[الإسراء: ٨٦] بمعنى: لو شِئْنا فعلنا ذلك، فالفعل لم يحدث، والمراد بيان إمكانية ذلك ليُبَرِّئ موقف رسول الله، وأنه ليس له من الأمور شيء.
والغريب أن يفهم البعض من قوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ. .}[آل عمران: ١٢٨] أنها ضد رسول الله، وقَدْح في شخصه، وليس الأمر كذلك؛ لأنه ربه تبارك وتعالى يريد أنْ يتحمّل عنه ما يمكن أن يُفسِد العلاقة بينه وبين قومه، وكأنه يقول لهم: لا تغضبوا من محمد فالأمر عندي أنا، وشبَّهنا هذا الموقف بالخادم الذي فعل شيئاً، فيأتي سيده ليدافع عنه، فيقول: أنا الذي أمرته.
ثانياً: لماذا نستبعد في قدرة الخالق سبحانه أن يسلب مِنَّا ما أوحاه لرسوله وحفظناه وكتبناه، ونحن نرى فاقد الذاكرة مثلاً لا يكاد يذكر شيئاً من حياته، فإذا ما أرادوا إعادة ذاكرته يقومون بإجراء عملية جراحية مثلاً، فما أشبه هذه بتلك.
ونلاحظ في الآية جملة شرطية، أداة الشرط فيها «إنْ» ،