(آية) أي: علامة على أن امرأته قد حملتْ في يحيى، وكأن زكريا عليه السلام يتعجل الأمور ولا صبرَ له طوال تسعة أشهر، بل يريد أن يعيش في ظِلِّ هذه النعمة، وكأنها واقع لا ينفكّ لسانه حامداً شاكراً عليها، وتظل النعمة في باله رغم أن ولده ما يزال جنيناً في بطن أمه.
فيجيبه ربه:{آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}[مريم: ١٠] علامتك أَلاَّ تُكَلِّم الناس ثلاث ليال و (أَلاَّ) ليست للنهي عن الكلام، بل هي إخبار عن حالة ستحدث له دون إرادته، فلا يكلم الناس مع سلامة جوارحه ودون عِلَّة تمنعه من الكلام، كخرس أو غيره.
لذلك قال:{ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}[مريم: ١٠] أي: سليماً مُعاَفىً، سويّ التكوين، لا نقص فيك، ولا قصور في جارحة من جوارحك. وهكذا لا يكون عدم الكلام عَيْباً، بل آية من آيات الله.
وهناك فَرْق بين أمر كونيٍّ وأمر شرعي، الأمر الكونيُّ هو ما يكون وليس لك فيه اختيار في ألاَّ يكون، والأمر الشرعيّ ما لك فيه اختيار من الممكن أن تطعيه فتكون طائعاً، أو تعصيه فتكون عاصياً.
وهذا الذي حدث لزكريا أمر كوني، وآية من الله لا اختيار له فيها، وكأن الحق سبحانه يعطينا الدليل على أنه يوجد مِنْ لا مظنّة أسباب، وقد يبقي الأسباب سليمة صالحة ولا يظهر المسبِّب، فاللسان هنا موجود، وآلات النطق سليمة، ولكنه لا يقدر على الكلام.