الحق - سبحانه - كما ساس ودبر حياة المؤمن الدنيوية، دبر وتولى - جل شأنه - حياته الأخروية ليلفته إلى أنه يجب عليه ألا ينظر إلى حياته العاجلة فقط ولكن عليه أن يدبر أمر نفسه فيما يستقبله من أمر الحياة الآخرة، ففي لحظة مواجهة الموت عليه ألا ينسى الوصية إن كان مديناً لأحد أو كان له دين عند أحد. وكذلك إن سافر الإنسان ضرباً في الأرض فعليه أن يوصي حتى لا يضيِّع على ورثته حقاً لهم. أو يسدد ما عليه من دين ليبرئ ذمته، وأن يُشْهِد على وصيته اثنين من المسلمين، أما إذا كان الإنسان يصاحب في السفر أناساً غير مسلمين فعليه أيضاً أن يُشهدهم على الوصية، ولم يترك الحق لنا في هذا الأمر أي عذر، بل لا بد من شهادة اثنين. والشهادة هي الأمر المشهود في الحاضر، ومثال قوله الحق:{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥] .
أي أن الإنسان إذا حضر الشهر وأدركه فليصم، والشهادة تأتي بمعنى الرؤية مثال ذلك قوله تعالى:{الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين}[النور: ٢] .
أي أن يحضر مشهد الجلد جماعة من المؤمنين. وتأتي الشهادة أيضاً بمعنى الحكم: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ