أراد الحق سبحانه أنْ يُعلمنا منه عالم المُلْك، ومنه عالم الملكوت. . عالم المُلْك هو العالم المحسّ لنا، وعالم الملكوت المخفي عنَّا فلا نراه.
ولذلك، فربنا سبحانه وتعالى لما تكرّم على سيدنا إبراهيم عليه السلام قال:{وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين}[الأنعام: ٧٥] .
إذن: لله تعالى في كونه ظاهر وغَيْب. . الظاهر له نواميس كونية يراها كل الناس، وله أشياء غيبيّة لا يراها أحد، ولا يطّلع عليها. . حتى في ذاتك أنت أشياء غَيْب لا يعلمها أحد من الناس، وكذلك عند الناس أشياء غَيْب لا تعرفها أنت. . وهذا الغيب نُسميّه: غَيْب الإنسان.
إذن: فأنا غائب عنّي أشياء، وغيري غائب عنه أشياء. . هذا الغيب الذي لا نعرفه يَعُدّه بعض الناس نَقْصاً فينا، وهو في الحقيقة نوع من الكمال في النفس البشرية؛ لأنك إنْ أردتَ أنْ تعلمَ غيْبَ الناس فاسمح لهم أنْ يعلموا غَيْبك.
ولو خُيّرت في هذه القضية لاخترتَ أنْ يحتفظ كلٌّ منكم بغَيْبه لا يطلع عليه أحد. . لا أعرف غَيْب الناس، ولا يعرفون غَيْبي؛ ولذلك يقولون:«المغطى مليح» .
فسَتْر الغيب كمال في الكون؛ لأنه يُربِّي ويُثري الفائدة فيه. . كيف؟
هَبْ أنك تعرف رجلاً مستقيماً كثير الحسنات، ثم اطلعتَ على