الكلام: معناه اللفظ الذي ينقل فكر الناطق إلى السامع، وقول الحق:{وَيُكَلِّمُ الناس فِي المهد} ، معناه أن المواجه لعيسى عليه السلام في المهد هم الناس و «المهد» هو ما أعد كفراش للوليد. ولقد أورد الحق {المهد وَكَهْلاً} رمزية لشئ، وهي أن عيسى ابن مريم من الأغيار، يطرأ عليه مرة أن يكون في المهد، ويطرأ عليه مرة أخرى أن يكون كهلا، وما دام في عالم الأغيار فلا يصح أن يفتتن به أحد ليقول إنه «إله» أو «ابن إله» .
ونفهم أيضا من {وَيُكَلِّمُ الناس فِي المهد} سر وجود آية المعجزة التي وهبها له الله وهو طفل في المهد. لأن المسألة تعلقت بعِرض أمه وكرامتها وعفتها، فكان من الواجب أن تأتي آية لتمحو عجبا من الناس حين يرونها تلد بدون أب لهذا الوليد أو زواج لها. وهذه المسألة لم نجد لها وجودا. مع أنها مسألة كان يجب أن تقال لأنهم يمجدون نبيهم، وكان من الواجب ألا يغفلوا عن هذه العجيبة، إن كلام طفل في المهد لما كان أمرا عجيبا كان لا بد أنّه سيكون محل حفظ وتداول بين الناس، ولن يكتفي الناس برواية واقعة كلامه في المهد فقط، بل سيحفظون ما قاله، ويرددون قوله.
والكلمة التي قالها عيسى عليه السلام في المهد لا تسعف من يصف عيسى عليه السلام بوصف يناقض بشريته؛ لأن الكلمة التي نطق بها أول ما نطق: إني عبد الله، فأخفوا هم هذه المسألة كلها لأن هذه الكلمة تنقض القضية التي يريدون