و «ذلك» إشارة إلى ما تقدم، وأنت إن نظرت إلى بداية البشرية تجد أن الله تعالى خلق آدم ليجعله خليفة في الأرض، وخلق حواء لإبقاء النوع الإنساني. وقبل أن ينزل آدم على الأرض أعطاه الله سبحانه وتعالى المنهج، ومن آدم وحواء بدأت ذريتهما، ولو ساروا على المنهج الذي علمه آدم لهذه الذرية، لصارت البشرية إلى سعادة. ولكن الذرية تغيرت، وجحدوا النعمة وأنكروا أنَّ للنعمة خالقاً، فهل يبقي الله عليهم الأمن والسلامة والنعم ما داموا قد تغيروا؛ لا. بل لا بد - إذن - أن يغير الله نعمه عليهم، وإلا لما أصبح هناك أي منطق للدين؛ لأن الإنسان قد طرأ على النعم، بمعنى أن الله لم يخلق الإنسان ثم خلق له النعم. بل خلق النعم أولاً ثم جاء الإنسان إلى كون أعد له إعداداً كاملاً؛ وفيه كل مقومات الحياة واستمرار الحياة. وظل الإنسان فترة طويلة في طفولة الحياة يرتع في نعم الله، فقبل أن يعرف الزراعة؛ وجد الثمار التي يأكلها. وقبل أن يعرف كيف يبحث عن الماء وجد الماء الذي يشربه، وعلمه الله كيف يعيش. وذلل له من الحيوان ما يعطيه اللبن واللحم، وكل هذه النعم وغيرها كان لا بد أن يأخذها الإنسان بالشكر واستمرار الولاء لله الخالق المنعم.
ولكن الإنسان جحد نعمة الله تعالى وجحد المنعم، أتبقى له سعادة وحياة مطمئنة في الأرض؟ طبعاً لا، وما دام الإنسان قد غير، لا بد أن يغير الحق النعمة إلى نقمة، ومن رحمته سبحانه أنه شاء أن يكون الإنسان هو البادىء، فالحق سبحانه منزّه أن يكون البادىء بالظلم، بل بدأ الإنسان يظلم نفسه.