فساعة أنْ كلَّمه ربه:{إني أَنَاْ رَبُّكَ}[طه: ١٢] أزال ما في نفسه من العجب والدهشة لما رآه وسمعه، وعلم أنها من الله تعالى فاطمأنَّ واستبشر أنْ يرى عجائب أخرى؟
ونلحظ في قوله تعالى:{إني أَنَاْ رَبُّكَ}[طه: ١٢] أن الحق تبارك وتعالى حينما يتحدَّث عن ذاته تعالى يتحدث بضمير المفرد {إني أَنَاْ رَبُّكَ}[طه: ١٢] وحينما يتحدث عن فِعْله يتحدث بصيغة الجمع، كما في قوله عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر}[القدر: ١]{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر}[الحجر: ٩]{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا}[مريم: ٤٠] .
فلماذا تكلَّم عن الفعل بصيغة الجمع، في حين يدعونا إلى توحيده وعدم الإشراك به؟ قالوا: الكلام عن ذاته تعالى لا بُدَّ فيه من التوحيد، كما في:{إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكري}[طه: ١٤] .
لكن في الفعل يتكلم بصيغة الجمع؛ لأن الفعل يحتاج إلى صفات متعددة وإمكانات شتَّى، يحتاج إلى إرادة تريده، وقدرة على تنفيذه وإمكانات وعلم وحكمة.
إذن: كل صفات الحق تتكاتف في الفعل؛ لذلك جاء الحديث عنه بصيغة الجمع، ويقولون في النون في قوله:{نَزَّلْنَا الذكر}[الحجر: ٩]{نَرِثُ الأرض}[مريم: ٤٠] أنها: نون التعظيم.
وقد جاء الخطاب لموسى بلفظ الربوبية {إني أَنَاْ رَبُّكَ}[طه: ١٢] لإيناس موسى؛ لأن الربوبية عطاء، فخطابه (بربك) أي الذي يتولّى رعايتك وتربيتك، وقد خلقك من عَدَم، وأمدك من عُدم،