ساعة تسمع {يُقْرِضُ الله} فذلك أمر عظيم؛ لأنك عندما تقرض إنسانا فكأنك تقرض الله، ولكن المسألة لا تكون واضحة، لماذا؟ لأن ذلك الإنسان سيستفيد استفادة مباشرة، لكن عندما تنفق في سبيل الله فليس هناك إنسان بعينه تعطيه، وإنما أنت تعطي المعنى العام في قضية التدين، وتعاملك فيها يكون مع الله. كأنك تقرض الله حين تنفق من مالك لتعد نفسك للحرب.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا بكلمة القرض على أنه يطلب منا عملية ليست سهلة على النفس البشرية، وهو سبحانه يعلم بما طبع عليه النفوس. والقرض في اللغة معناه قضم الشيء بالناب، وهو سبحانه وتعالى يعلم أن عملية الإقراض هي مسألة صعبة، وحتى يبين للناس أنه يعلم صعوبتها جاء بقوله:{يُقْرِضُ} ، إنه المقدر لصعوبتها، ويقدر الجزاء على قدر الصعوبة.
{مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} . وما هو القرض الحسن؟ وهل إذا أقرضت عبداً من عباد الله لا يكون القرض حسنا؟
أولا إذا أقرضت عبداً من عباد الله فكأنك أقرضت الله، صحيح أنت تعطي الإنسان ما ييسر له الفرج في موقف متأزم، وصحيح أيضا أنك في عملية الجهاد لا تعطي إنساناً بعينه وإنما تعطي الله مباشرة، وهو سبحانه يبلغنا: أن من يقرض عبادي فكأنه أقرضني. كيف؟ لأن الله هو الذي استدعى كل عبد له للوجود، فإذا احتاج العبد فإن حاجته مطلوبة لرزقه في الدنيا، فإذا أعطى العبد لأخيه المحتاج فكأنه يقرض الله المتكفل برزق ذلك المحتاج.
وقوله تعالى:{يُقْرِضُ الله} تدلنا على أن القرض لا يضيع؛ لأن القرض شيء تخرجه من مالك على أمل أن تستعيده، وهو سبحانه وتعالى يطمئنك على أنه هو الذي سيقترض منك، وأنه سيرد ما اقترضه، لكن ليس في صورة ما قدمت وإنما في صورة مستثمرة أضعافا مضاعفة، إن الأصل محفوظ ومستثمر، ولذلك يقول:{مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} إنها أضعاف كثيرة بمقاييس الله عَزَّ وَجَلَّ لا بمقاييسنا كبشر.