قلنا: إن التوبة لها مراحل، فهناك توبة شرعها الله، ومجرد مشروعية التوبة من الله رحمة بالخلق، وهي أيضاً رحمة بالمذنب؛ لأن الحق سبحانه لو لم يشرع التوبة لاستشرى الإنسان في المعاصي بمجرد انحرافه مرة واحدة، وإذا استشرى في المعاصي فالمجتمع كله يشقى عليه الذنب، فمشروعية التوبة نفسها رحمة بمن عمل الذنب. وأنت إذا سمعت قوله الحق سبحانه:{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا ... }[التوبة: ١١٨]
فافهم أن تشريع التوبة إنما جاء ليتوب العباد فعلاً، وبعد أن يتوبوا، يقبل الله التوبة.
والحق هنا يقول:{لَقَدْ تَابَ الله على النبي} وعطف على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {المهاجرين والأنصار} ، فأي شيء فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى يقول الله:{لَقَدْ تَابَ الله على النبي} ؟! ونقول ألم يقل الحق سبحانه له:{عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ... }[التوبة: ٤٣]
فحين جاء بعض المنافقين استأذنوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في التخلف عن الغزوة، فأذن لهم، مع أن الله سبحانه قال:{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ... }[التوبة: ٤٧]