للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{ذلك} إشارة إلى عذاب الحريق. والحق سبحانه لم يظلمهم، لكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم. {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} فهل معنى ذلك أن كل المعاصي من تقديم اليد؟ إن هناك معصية للعين، ومعصية للسان، ومعصية للرجل، ومعصية للقلب، ولا حصر للمعاصي. فلماذا إذن قال الحق: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} ؟

قال الحق ذلك لأن الأعمال الظاهرة تٌمارس عادة باليد؛ فاليد هي الجارحة التي نفعل بها أكثر أمورنا، وعلى ذلك يكون قول الحق: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} مقصود به: بما قدمتم بأي جارحة من الجوارح.

وبعد ذلك يخبرنا سبحانه: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} لقد أذاقهم عذاب الحريق نتيجة ما كتبه عليهم؛ من قول وفعل. والقول هو الافتراء باللسان حين قالوا: {إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ} . والفعل هو قتلهم الأنبياء. فهم يستحقون ذلك العذاب.

والقضية العامة في الإله وعدالة الإله أنه ليس بظلام للعبيد.

وهنا وقفة لخصوم الإسلام من المستشرقين، هم يقولون: الله يقول في قرآنهم {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ، وكلمة «ظلام» هي مبالغة في كلمة «ظالم» ، ففيه «ظالم» وفيه «ظلاّم» ، و «الظَّلاّم» هو الذي يظلم ظلماً قوياً ومتكرراً؛ ف «ظلاّم» هي صيغة مبالغة في «ظالم» .

وحين نرد عليهم لا بد لنا أن نعرف أن صيغ المبالغة كثيرة، فاللغويون يعرفون أنها: فعّال، فعيل، مفعال، فعول، فَعِل، فظلاَّم مثلها مثل قولنا: «أكَّال» ، ومثل قولنا: «قتَّال» بدلاً من أن نقول: «قاتل» فالقاتل يكون قد ارتكب جريمة القتل مرة واحدة، لكن ال «قتَّال» هو من فعل الجريمة مرات كثيرة وصار القتل حرفته. ومثل ذلك «ناهب» ، ويقال لمن صار النهب حرفته: «نَهَّاب» أي أنه إن نهب ينهب كثيراً، ويعدد النهب في الناس.

وهذه تسمى صيغة المبالغة. وصيغة المبالغة إن وردت في الإثبات أي في الأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>