الموجب فهي تثبت الأقل، فعندما يقال:«فلان ظلاّم» فالثابت أنه ظالم أيضاً، لأننا ما دمنا قد أثبتنا المبالغة فإننا نثبت الأقل. ومثل ذلك نقول:«فلان علاّم» أو «فلان علاّمة» فمعنى ذلك أن فلاناً هذا عالم. ولكن إذا قلنا:«فلان عالم» فلا يثبت ذلك أنه «علاّمة» . فصيغة المبالغة ليس معناها «اسم فاعل» فحسب، إنها أيضاً اسم فاعل مبالغ فيه، لأن الحدث يأتي منه قوياً، أو لأن الحدث متكرر منه ومتعدد. فإذا ما أثبتنا صفة المبالغة فمن باب أولى تثبت صفة غير المبالغة فإذا ما قال واحد:«فلان أكّال» فإنه يثبت لنا أنه آكل، هذا في الإثبات.
والأمر يختلف في النفي. إننا إذا نفينا صفة المبالغة تثبت الصفة التي ليس فيها مبالغة من باب أولى. أما إذا نفيت صفة المبالغة فلا يستلزم ذلك نفي الصفة الأقل.
والتذليل للآية التي نحن بصددها الآن هو {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} .
يفهم المستشرقون من هذا القول أنه مجرد نفي للمبالغة في الظلم لكنها لم تنف عنه أنه ظالم ولم يفهم المستشرقون لماذا تكون المبالغة هنا: إن الحق قد قال: إنه ليس بظلاَّم للعبيد، ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد. ومعنى ذلك أنه ليس بظلام للعبيد من أول آدم إلى أن تقوم الساعة، فلو ظلم كل هؤلاء - والعياذ بالله - لقال إنه ظلام، حتى ولو ظلم كل واحد أيسر ظلم. لأن الظلم تكرر وذلك بتكرر من ظُلِم وهم العبيد، فإن أريد تكثير الحديث فليفطن الغبي منهم إلى أن الله قال:{وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد.
وإذا كان الظالم لا بد أن يكون أقوى من المظلوم، أذن فكل ظلم يتم تكييفه بقوة الظالم. فلو كان الله قد أباح لنفسه أن يظلم فلن يكون ظالماً؛ لأن عظم قوته لن يجعله ظالماً بل ظَلاَّما.
فإن أراد الحدث فيكون ظلاماً، وإن أردنا تكراراً للحدث فيكون ظلاماً. وحين يحاول بعض