المجال هنا كان عن النهي عن اتخاذ أهل الكتاب أولياء من دون الله، ومن سمع هذا النهي وفي قلبه الإيمان نفّذ النصيحة. ولكن الذي طمس المرض - وهو النفاق - قلبه فهو الذي يتولاهم. وهو يسارع إلى هذه الولاية. ونعرف أن المسارعة هي تقليل الزمن في قطع المسافة الموصلة للغاية فإذا كانت هناك مسافة تقتضي السير لمدة خمس عشرة دقيقة فالمسارعة تفرض على الإنسان أن يقطعها في وقت أقل من ذلك. وهناك «يسارع إلى» و «يسارع في» ، مثل قول الحق:{وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}[آل عمران: ١٣٣]
والغاية هنا هي المغفرة من الله وعلى المؤمن أن يسارع إليها، أما عندما يقال:(يسارع في كذا) أي أنه كان في الأصل منغمساً في هذا الموضوع. وعندما يقول الحق:{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي كانهم كانوا مع هؤلاء الكفار من البداية، ولذلك فالمسارعة في ظرفيتهم. وبذلك يتهافتون عليهم. والعلّة العامة أن في قلوبهم مرضاً جعلهم يبتكرون ويلفقون أسباباً، هذه الأسباب هي {نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ}
والموالاة هنا من الخوف أن تدور الدوائر، ونحتاج إليهم لأن عندهم الأموال والسلاح، وهذا ما قاله المنافق عبد الله بن أبيّ؛ فقد قال: أنا رجل أخشى الدوائر. أي أنه يخشى الأحداث والمصائب. مثلما نقول:«الأيام دول» . ولكن كلمة «دول» هي انتقالية وقد لا يكون فيها ضرر، أما «دوائر» فهي انتقالية فيها ضرر. وعكس ذلك ما قاله عبادة بن الصامت قال رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:
- أنا سآخذ ولاية الله ورسوله والمؤمنين وسأنفض عني ولاية اليهود والنصارى.