كان عيسى قال لهم: عليكم بتقوى الله فلا تسألوه هذه الآية، لأنكم مادمتم قد أعلنتم الإيمان فأنتم لا تقترحون على الله آية لإثبات صدق رسوله، وحسبكم ما أعطاه الله لي من آيات لصدق رسالتي. وعليكم ان تلزموا أنفسكم بالمنهج الذي أعلنتم أنكم مؤمنون به.
وقد توقف العلماء عند قولهم:{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} وتساءل العلماء: كيف كان هذا القول، وخصوصاً أن معناه الظاهري: أيقدر ربك؟ وكيف للحواريين أن يقولوا ذلك بالرغم من أنهم أشهدوا عيسى عليه السلام بأنهم مسلمون؟ وقال العلماء أيضاً: إن من يتكلم في اللغة عليه أن يكون متبصراً باشتقاقات الألفاظ واستعمالات الألفاظ وسمات الألفاظ، وكلمة «يستطيع» بمعنى يطيع كما قالوا: استجاب بمعنى أجاب، وكأن معنى سؤالهم: أيستجيب الله وينزل علينا مائدة من السماء؟ و «استطاع» تقابل: «استجاب» وسبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء، وهو الذي يطيعه كل شيء، وهو الذي يرضخ لحكمه كل شيء، والحق لا يطلب، إنما يأمر مصداقاً لقوله تعالى:{إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[يس: ٨٢] .
الله سبحانه وتعالى لا يقول لشيء كن إلا ويعلم أنه يطيع، ولا يأمره الحق أن يطيع إلا ويكون استعداده الانفعالي أنه حين يسمع قول الله:«كن» فلازم أن يكون، والمثال على هذا هو قوله سبحانه وتعالى:{إِذَا السمآء انشقت وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق: ١ - ٢] .