وبعد أن ذكر الحق في الآية السابقة القضية العامة في قوله:{كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ} جاء في هذه الآية بالأعلام والأشخاص وهم الرسل ومن عاداهم فقال: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} وساعة يقول: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ} فهنا همزة الاستفهام، ولا النفي. والهمزة تنفي هذا النفي، أي أتاهم نبأ هؤلاء. وحين ينفى النفي في أمر فالمراد إثبات الأمر، وأنت لا تستفهم الاستفهام الإنكاري، إلا وأنت واثق من أن الجواب عند من تسأله هو:«نعم» ، فحين تقول لإنسان: أنت تخليت عني في محنتي. فيقول: ألم أزرك في يوم كذا؟ ألم أعطك كذا؟ ألم أصنع مع ابنك كذا؟ فهو واثق أنك لا تستطيع إنكار شيء من هذا لأنه ثابت ثبوتاً حقيقيّاً.
ونلحظ هنا أن الحق جاء بالخطاب للغيبة فقال:{أَلَمْ يَأْتِهِمْ} ولم يقل: «أَلَمْ يَأْتِكمْ» ، فسبحانه يخاطبهم ترقيقاً لهم، ثم يتكلم عنهم مرة ثانية وكأنهم غائبون. وكأن هذا أيضاً مزيد من حرص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في غيبتهم، فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حريص على هدايتهم.
{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} والنبأ: هو الخبر الهام. ونحن لا نقول عن كل خبر: نبأ، بل نقول عن الخبر الهام فقط إنه نبأ، والنبأ أصله من النبوة، والنبوة واضحة ظاهرة وليست مطموسة؛ ولذلك فكل شيء هام ظاهر قد حدث يقال عنه نبأ. وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النبإ العظيم الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}[النبأ: ١ - ٣]